الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الناسخ والمنسوخ
.المقدمة: .بَابُ التَّرْغِيبِ فِي تَعَلُّمِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: قَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: انْتَهَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَجُلٍ يَقُصُّ فَقَالَ: أَعَلِمْتَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ. أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ دَيْسَمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: مَرَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَجُلٍ يَقُصُّ فَقَالَ أَعَرَفْتَ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ؟ قَالَ: لَا قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ. قَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ وَحَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] قَالَ: الْمَعْرِفَةُ بِالْقُرْآنِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ وَمُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ وَحَرَامِهِ وَحَلَالِهِ وَأَمْثَالِهِ. قَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ: مَرَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَاصٍّ يَقُصُّ فَرَكَلَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: أَتَدْرِي مَا النَّاسِخُ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ. قَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ دَيْسَمٍ، عَنْ مُوسَى، عَنْ أَبِي هِلَالٍ الرَّاسِبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا، وَحُدِّثْتُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: إِنَّمَا يُفْتِي النَّاسَ أَحَدُ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ يَعْلَمُ مَنْسُوخَ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ عُمَرُ، وَرَجُلٌ قَاضٍ لَا يَجِدُ مِنَ الْقَضَاءِ بُدًّا، وَرَجُلٌ مُتَكَلِّفٌ فَلَسْتُ بِالرَّجُلَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ وَأَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ الثَّالِثَ. قَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ دَيْسَمٍ، عَنْ مُوسَى، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، أَنَّ عَلِيًّا، عَلَيْهِ السَّلَامُ دَخَلَ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ فَرَأَى قَاصًّا يَقُصُّ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: رَجُلٌ مُحَدِّثٌ، قَالَ: إِنَّ هَذَا يَقُولُ: اعْرِفُونِي سَلُوهُ هَلْ يَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: لَا تُحَدِّثْ. .بَابُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الَّذِي يَنْسَخُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ: قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَحُجَّةُ أَصْحَابِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ يُنْسَخُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] وَقَالَ تَعَالَى {فَلْيَحَذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وَقَالَ تَعَالَى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] الْآيَةُ وَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ إِذَا نَزَلَ بِلَفْظٍ مُجْمَلٍ فَفَسَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْقُرْآنِ الْمَتْلُوِّ فَكَذَا سَبِيلُ النَّسْخِ وَاحْتَجُّوا بِآيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ تَأَوَّلُوهَا عَلَى نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ سَتَمُرُّ فِي السُّوَرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: لَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ إِلَّا قُرْآنٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106]، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس: 15] وَأَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَقُولُونَ: لَمْ يَنْسَخْهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ بِوَحْيٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ وَهَكَذَا سَبِيلُ الْأَحْكَامِ إِنَّمَا تَكُونُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ رَوَى الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: 106] نَجْعَلُ مَكَانَهَا أَنْفَعَ لَكُمْ مِنْهَا وَأَخَفَّ عَلَيْكُمْ {أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] فِي الْمَنْفَعَةِ {أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] يَقُولُ: أَوْ نَتْرُكُهَا كَمَا هِيَ فَلَا نَنْسَخُهَا. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ فِي أَنَّ السُّنَّةَ لَا يَنْسَخُهَا إِلَّا سُنَّةٌ بِأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْمُبَيِّنَةُ لِلْقُرْآنِ فَلَا يَنْسَخُهَا، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْمُبَيِّنُ نُبُوَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآمِرُ بِطَاعَتِهِ فَكَيْفَ لَا يَنْسَخُ قَوْلُهُ؟ وَفِي هَذَا أَشْيَاءُ قَاطِعَةٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تُرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] فَنُسِخُ بِهَذَا مَا فَارَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَمِنْ هَذَا أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَهْلٍ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ الْيَهُودَ، جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا إِنَّ رَجُلًا مِنَّا وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟» قَالُوا: نَجْلِدُهُمْ وَيُفْضَحُونَ فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا لَلرَّجْمَ فَذَهَبُوا فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ثُمَّ قَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَهَا فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ قَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ فِيهَا آيَةَ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَرَأَيْتُهُ يُجْنِئُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ حَكَى أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ: جَنَأَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذَا أَكَبَّ عَلَيْهِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَنَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ فِي الزُّنَاةِ شَيْءٌ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِعْلَهُ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] وَمَا بَعْدَهُ. .بَابُ أَصْلِ النَّسْخِ وَاشْتِقَاقِهِ: .بَابُ النَّسْخِ عَلَى كَمْ يَكُونُ مِنْ ضَرْبٍ: قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَنْبَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] قَالَ: نُزِيلُ حُكْمَهَا وَنُثْبِتُ خَطَّهَا. وَنَسْخٌ ثَانٍ: قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ دَيْسَمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الدُّورِيُّ، عَنِ الْكِسَائِيِّ، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] قَالَ: فِي تِلَاوَتِهِ {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} [الحج: 52] قَالَ: يُزِيلُهُ فَلَا يُتْلَى وَلَا يُثْبَتُ فِي الْمُصْحَفِ. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مُشْتَقٌّ مِنْ نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ، وَقَدْ زَعَمَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ هَذَا النَّسْخَ الثَّانِي قَدْ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّورَةُ فَتُرْفَعُ فَلَا تُتْلَى وَلَا تُكْتَبُ وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةِ السَّنَدِ وَخُولِفَ أبو عُبَيْدٍ فِيمَا قَالَ، وَالَّذِينَ خَالَفُوهُ عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ مَا قَالَ وَلَا يُسْلَبُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَمَا نَزَلَ عَلَيْهِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86] وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ قَدْ جَاءَ بِأَحَادِيثَ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ غَلَطَ فِي تَأْوِيلِهَا لِأَنَّ تَأْوِيلَهَا عَلَى النِّسْيَانِ لَا عَلَى النَّسْخِ وَقَدْ تَأَوَّلَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ {أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] عَلَى هَذَا مِنَ النِّسْيَانِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وفيه قَوْلَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] نَرْفَعُ حُكْمَهَا {أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] نَتْرُكُهَا فَلَا نَنْسَخُهَا، وَقِيلَ {نُنْسِهَا} [البقرة: 106] نُبِيحُ لَكُمْ تَرْكَهَا وَعَلَى قِرَاءَةِ الْبَصْرِيِّينَ (نَنْسَأْهَا) أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي مَعْنَاهُ أَوْ نَتْرُكُهَا وَنُؤَخِّرُهَا فَلَا نَنْسَخُهَا وَنَسْخٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ مِنْ نَسَخْتُ الْكِتَابَ لَمْ يَذْكُرْ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَّا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ وَذَكَرَ غَيْرُهُ رَابِعًا فَقَالَ: تَنْزِلُ الْآيَةُ وَتُتْلَى فِي الْقُرْآنِ ثُمَّ تُنْسَخُ فَلَا تُتْلَى فِي الْقُرْآنِ وَلَا تُثْبَتُ فِي الْخَطِّ وَيَكُونُ حُكْمُهَا ثَابِتًا كَمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نَقْرَأُ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِنْ زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ بِمَا قَضَيَا مِنَ اللَّذَّةِ. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَإِسْنَادُ الْحَدِيثِ صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْقُرْآنِ الَّذِي نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ وَقَدْ يَقُولُ الْإِنْسَانُ: كُنْتُ أَقْرَأُ كَذَا لِغَيْرِ الْقُرْآنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ قَالَ: وَلَوْلَا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: زَادَ عُمَرُ فِي الْقُرْآنِ لَزِدْتُهَا. .بَابُ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّسْخِ وَالْبَدَاءِ: .بَابُ ذِكْرِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ: وَمِمَّنْ تَرَكَهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَا: يُحَرِّمُ ثَلَاثُ رَضْعَاتٍ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ وَفِي الْحَدِيثِ لَفْظَةٌ شَدِيدَةُ الْإِشْكَالِ وَهِيَ قَوْلُهَا: «فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ». فَقَالَ بَعْضُ جِلَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ رَجُلَانِ جَلِيلَانِ أَثْبَتُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَذْكُرَا هَذَا فِيهِ وَهُمَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ إِلَّا خَمْسُ رَضْعَاتٍ الشَّافِعِيُّ. فأما الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ «وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ» فَقَدْ ذَكَرْنَا رَدَّ مَنْ رَدَّهُ وَمَنْ صَحَّحَهُ قَالَ: الَّذِي يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]. فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذَا كَانَ يُقْرَأُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَظِيمٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّا يُقْرَأُ لَكَانَتْ عَائِشَةُ رَحِمَهَا اللَّهُ قَدْ نَبَّهَتْ عَلَيْهِ وَلَكَانَ قَدْ نُقِلَ إِلَيْنَا فِي الْمَصَاحِفِ الَّتِي نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الْغَلَطُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17] وَلَوْ كَانَ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا لَجَازَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَمْ يُنْقَلْ نَاسِخًا لِمَا نُقِلَ فَيَبْطُلُ الْعَمَلُ بِمَا نُقِلَ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ كُفْرٌ وَمِمَّا يُشْكِلُ مِنْ هَذَا مَا رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: 1] فَلَمَّا بَلَغَ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم: 19] قَالَ: فَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَجَى. فَسَهَا فَلَقِيَهُ الْمُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرْضٌ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَفَرِحُوا فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} [الحج: 52] الآيَةَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: قَرَأَ فَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَجَى وَإِنَّهُنَّ لَهُنَّ الْغَرَانِيقُ الْعُلَا. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: الْحَدِيثَانِ مُنْقَطِعَانِ وَالْكَلَامُ عَلَى التَّأْوِيلِ فِيهِمَا قَرِيبٌ فَقَالَ قَوْمٌ: هَذَا عَلَى التَّوْبِيخِ أَيْ تَتَوَهَّمُونَ هَذَا وَعِنْدَكُمْ أَنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَجَى، وَمِثْلُهُ {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلِيَّ} [الشعراء: 22] وَقِيلَ: شَفَاعَتُهُنَّ تُرْتَجَى عَلَى قَوْلِكُمْ، وَمِثْلُهُ {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 78] وَمِثْلُهُ {أَيْنَ شُرَكَائِيَ} [النحل: 27] أَيْ عَلَى قَوْلِكُمْ وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَالْغَرَانِيقِ الْعُلَا يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ تُرْتَجَى شَفَاعَتُهُمْ فَسَهَا، يَدُلُّكَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ قَالَ كَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْطَانٌ مِنَ الْجِنِّ أَلْقَى هَذَا أَوْ مِنَ الْإِنْسِ وَمِمَّا يُشْكِلُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَزَّ {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] نَسَخَهُ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ نَسْخٌ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَلَكِنَّ التَّأْوِيلَ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ فِيهِ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ وَوَقَعَ بِقُلُوبِهِمْ مِنْهُ شَيْءٌ عَظِيمٌ فَنَسَخَ ذَلِكَ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] أَيْ نَسَخَ مَا وَقَعَ بِقُلُوبِهِمْ أَيْ أَزَالَهُ وَرَفَعَهُ وَمِنْ هَذَا الْمُشْكِلِ قَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] إِلَى {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 69] ثُمَّ نَسْخَهُ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] وَهَذَا لَا يَقَعُ فِيهِ نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ خَبَرً وَلَكِنَّ تَأْوِيلَهُ إِنْ صَحَّ نَزَلَ بِنُسْخَتِهِ وَالْآيَتَانِ وَاحِدٌ يَدْلُكُ عَلَى ذَلِكَ {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وءَامَنَ} وَمِنْ هَذَا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: نَسَخَهَا {فَاتَّقُوا اللَّهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. أَيْ نَزَلَ بِنُسْخَتِهَا وَهُمَا وَاحِدٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: {حَقُّ تُقَاتِهِ} أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى وَأَنْ يُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرَ وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ؛ لِأَنَّ النَّاسِخَ هُوَ الْمُخَالِفُ لِلْمَنْسُوخِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ الرَّافِعُ لَهُ الْمُزِيلُ حُكْمَهُ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تُشْرَحُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنَ السُّوَرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. .بَابُ السُّوَرِ الَّتِي فِيهَا النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخِ: .سورة البقرة: .فَأَوَّلُ ذَلِكَ السُّورَةُ الَّتِي تُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِيَتَمَيَّزَ أَهْلَ الْيَقِينِ مِنْ أَهْلِ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَهَذَا يَسْهُلُ فِي حِفْظِ نُسَخِ هَذِهِ الْآيَةِ وَنَذْكُرُ مَا فِيهَا مِنَ الْإِطَالَةِ كَمَا شَرَطْنَا. فَمِنْ ذَلِكَ: مَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبَعْدَمَا هَاجَرَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبَعْدَمَا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ صُرِفَ إِلَى الْكَعْبَةِ. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ «صَلَّى سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا». وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «صُرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةِ فِي جُمَادَى» وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «فِي رَجَبٍ» وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: «فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ». قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَالَ بِهِ أَجَلُّ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَإِذَا صُرِفَ فِي آخِرِ جُمَادَى الْآخِرَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ صَارَ ذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَيْضًا فَإِذَا صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ فِي جُمَادَى فَقَدْ صَلَّى إِلَيْهَا فِيمَا بَعْدَهَا فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ كَانَ أَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ نَسَخَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ نَسَخَ فَعْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ أَمْرُهُ بِالصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتْبَعُ آثَارَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ حَتَّى يُؤْمَرَ بِنَسْخِ ذَلِكَ وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ نَسَخَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ قَوْلَهُ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] بِالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ إِلَى الْكَعْبَةِ. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ الْأَوَّلُ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالَّذِي يَطْعُنُ فِي إِسْنَادِهِ يَقُولُ: ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا أَخَذَ التَّفْسِيرَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُوجِبُ طَعْنًا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ رَجُلَيْنِ ثِقَتَيْنِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ صَدُوقٌ وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فِهْمٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، يَقُولُ بِمِصْرَ: كِتَابُ التَّأْوِيلِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ لَوْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مِصْرَ فَكَتَبَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ بِهِ مَا كَانَتْ رِحْلَتُهُ عِنْدِي ذَهَبَتْ بَاطِلًا. فَأَمَّا أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَاسِخَةً لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] فَبَعِيدٌ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ أَشْيَاءَ سَنُبَيِّنُهَا فِي ذِكْرِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ. .بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَهَذَا قَوْلٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] مَعْنَاهُ أَيْنَمَا تُوَلُّوا مِنْ مَشْرِقٍ أَوْ مَغْرِبٍ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا وَهِيَ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ فَجَعَلُوا الْآيَةَ نَاسِخَةً، وَجَعَلَ قَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ الْآيَةَ مَنْسُوخَةً وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: مَنْ صَلَّى فِي سَفَرٍ فِي مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: لَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيِّ صَلَّى عَلَيْهِ وَكَانَ يُصَلِّي إِلَى غَيْرِ قِبْلَتِنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة: 115] وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ أَنَّ الْمَعْنَى ادْعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ يُسْتَجَبْ لَكُمْ وَالْقَوْلُ السَّادِسُ مِنْ أَجَلِّهَا قَوْلًا وَهُوَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ النَّوَافِلَ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَيَدُلُّكَ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّهُ: قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَعَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى دَابَّتِهِ وَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]». قَالَ وَأَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ». قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَتِ الْآيَةُ نَاسِخَةً وَلَا مَنْسُوخَةً لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ تَنَازَعُوا الْقَوْلَ فِيهَا وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِغَيْرِ النَّسْخِ وَمَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِغَيْرِ النَّسْخِ لَمْ يُقَلْ فِيهِ نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا. فأما مَا كَانَ يَحْتَمِلُ الْمُجْمَلَ وَالْمُفَسَّرَ وَالْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فَعَنِ النَّسْخِ بِمَعْزَلٍ وَلَا سِيَّمَا مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَقَدِ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ. .بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: أَمَّا مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ «وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ» فَيُقَالُ: إِنَّ هَذَا نَسْخٌ أَيْ: رَفْعٌ وَيُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ أَيْ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ. فأما {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: الْقُنُوتُ الْقِيَامُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ قُنُوتٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ طَاعَةٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] نَاسِخٌ لِلْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ كَمَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: «كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَكَلَّمُ أَحَدُنَا بِحَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَنُهِينَا حِينَئِذٍ عَنِ الْكَلَامِ». قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ إِنَّ الْقُنُوتَ الطَّاعَةُ أَيْ: وَقُومُوا لِلَّهِ مُطِيعِينَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ تَرْكِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ فَصَحَّ أَنَّ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِلْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَهَذَا مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ وَهِيَ ثَلَاثُ آيَاتٍ، وَالْآيَةُ الرَّابِعَةُ فِي الْقِصَاصِ. .بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ: فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ مِنْهَا: مَا حَدَّثَنَاهُ عُلَيْلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ السَّدُوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] قَالَ: نَسَخَتْهَا {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]. وَرَوَى ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ لَا يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ وَلَكِنْ يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ بِالْمَرْأَةِ فَنَزَلَتْ {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَهَذَا قَوْلٌ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ تُقَاتَلُوا فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ خَلْقٌ فَنَزَلَ هَذَا لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَا نَقْتُلُ بِالْعَبْدِ مِنَّا إِلَّا الْحُرُّ وَلَا بِالْأُنْثَى إِلَّا الذَّكَرُ وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي فَرِيقَيْنِ وَقَعَتْ بَيْنَهُمْ قَتْلَى فَأُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَاصَّ بَيْنَهُمْ دِيَاتِ النِّسَاءِ بِدِيَاتِ النِّسَاءِ وَدِيَاتِ الرِّجَالِ بِدِيَاتِ الرِّجَالِ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، رَوَاهُ عَنْهُ قَتَادَةُ، وَعَوْفٌ، وَزَعَمَ أَنَّهُ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: هَذَا عَلَى التَّرَاجُعِ إِذَا قَتَلَ رَجُلٌ امْرَأَةً كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءُوا قَتَلُوا الرَّجُلَ وَأَدُّوا نِصْفَ الدِّيَةِ وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا نِصْفَ الدِّيَةِ فَإِذَا قَتَلَتِ امْرَأَةٌ رَجُلًا فَإِنْ شَاءَ أَوْلِيَاءُ الرَّجُلِ قَتَلُوا الْمَرْأَةَ وَأَخَذُوا نِصْفَ الدِّيَةِ وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ عَبْدًا فَإِنْ شَاءَ مَوْلَى الْعَبْدِ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلَ وَيُؤَدِّي بَقِيَّةَ الدِّيَةِ بَعْدَ ثَمَنِ الْعَبْدِ، وَإِذَا قَتَلَ عَبْدٌ رَجُلًا فَإِنْ شَاءَ أَوْلِيَاءُ الرَّجُلِ أَنْ يَقْتُلُوا الْعَبْدَ وَيَأْخُذُوا بَقِيَّةَ الدِّيَةِ وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: إِنَّ الْآيَةَ مَعْمُولٌ بِهَا يُقْتَلُ الْحَرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى بِهَذِهِ الْآيَةِ وَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ، وَالْحُرُّ بِالْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ لِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لَوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» وَهُوَ صَحِيحٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَالْأَشْتَرُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْنَا: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسُ؟ قَالَ: لَا إِلَّا مَا فِي كِتَابِي هَذَا، فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ فَإِذَا فِيهِ «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، لَا يُقْتَلْ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَسَوَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدِّمَاءِ شَرِيفِهِمْ وَوَضِيعِهِمْ وَحُرِّهِمْ وعَبْدِهِمْ وَهَذَا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ فِي الْعَبْدِ خَاصَّةً. فأما فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّرَاجُعِ وَالْمَوْضِعُ الْآخَرُ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] الْآيَةَ قِيلَ: هِيَ نَاسِخَةٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ الْقِصَاصِ بِغَيْرِ دِيَةٍ كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْقِصَاصُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَكُنِ الدِّيَةُ فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] قَالَ: وَالْعَفْوُ أَنْ تُقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ، {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] مِنَ الطَّالِبِ وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ الْمَطْلُوبَ بِإِحْسَانٍ {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178] عَمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: يَكُونُ التَّقْدِيرُ فَمَنْ صُفِحَ لَهُ عَنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنَ الدَّمِ فَأُخِذَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ، وَقِيلَ: عُفِيَ بِمَعْنَى كَثُرَ مِنْ قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95] وَقِيلَ: كُتِبَ بِمَعْنَى فُرِضَ عَلَى التَّمْثِيلِ، وَقِيلَ: كُتِبَ عَلَيْكُمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَكَذَا كُتِبَ فِي آيَةِ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ الْآيَةُ الْخَامِسَةُ. .بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ بِالسُّنَّةِ، قَالَ: نَسَخَهَا: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ». وَمَنْ قَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْسَخَ الْقُرْآنَ إِلَّا قُرْآنٌ قَالَ: نَسَخَتْهَا الْفَرَائِضُ كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] قَالَ: كَانَ وَلَدُ الرَّجُلِ يَرِثُونَهُ وَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَصِيَّةُ فَنَسَخَهَا {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 7]. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَسَخَتْهَا {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَالَهُ الْحَسَنُ قَالَ: نُسِخَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَثَبَتَتْ لِلَأْقَرِبِينَ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ، وَكَذَا رَوَى ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ: الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ عَلَى النَّدْبِ لَا عَلَى الْحَتْمِ. وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: إِنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَاجِبَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ إِذَا كَانُوا لَا يَرِثُونَ. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا قَوْلُ الضَّحَّاكِ، وَطَاوُسٍ قَالَ طَاوُسٍ: مَنْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيَّيَنْ وَلَهُ أَقْرِبَاءُ انْتُزِعَتِ الْوَصِيَّةُ فَرُدَّتْ إِلَى الْأَقْرِبَاءِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَنْ مَاتَ وَلَهُ شَيْءٌ وَلَمْ يُوصِ لِأَقْرِبَائِهِ فَقَدْ مَاتَ عَنْ مَعْصِيَةٍ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا أَوْصَى رَجُلٌ لِقَوْمٍ غُرَبَاءَ بِثُلُثِهِ وَلَهُ أَقْرِبَاءُ أُعْطِيَ الْغُرَبَاءُ ثُلُثَ الثُّلُثِ وَرُدَّ الْبَاقِي عَلَى الْأَقْرِبَاءِ. قَالَ أبَوُ جَعْفَرٍ: فَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ وَهِيَ مَتْلُوَّةٌ فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يُقَالَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا لَيْسَ بِنَافٍ حُكْمَ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مِنَ الْفَرَائِضِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ} [البقرة: 180] الْآيَةَ كَقَوْلِهِ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]. .بَابُ ذِكْرِ بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ السَّادسة: قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: قَالَ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ: هِيَ نَاسِخَةٌ لِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَلَمَّا فُرِضَ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ نَسَخَ ذَلِكَ فَمَنْ شَاءَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ «صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً مُسْتَقْبِلَةً» وَقَالَ عَطَاءٌ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] كُتِبَ عَلَيْكُمْ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَهَذَانِ قَوْلَانِ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالسُّدِّيُ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ كَتَبَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا إِذَا نَامَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَقْرَبِ النِّسَاءَ، ثُمَّ كُتِبَ ذَلِكَ عَلَيْنَا فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] ثُمَّ نَسَخَهُ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَبِمَا بَعْدَهُ، وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ كَتَبَ عَلَيْنَا الصِّيَامَ شَهْرًا كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا وَأَنْ نَفْعَلَ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ تَرْكِ الْوَطْءِ وَالْأَكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ ثُمَّ أَبَاحَ الْوَطْءَ وَالْأَكْلَ بَعْدَ النَّوْمِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: إِنَّهُ كُتِبَ عَلَيْنَا الصِّيَامُ وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ كَمَا كُتِبَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا قَالَ مُجَاهِدٌ: كَتَبَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ وَقَالَ قَتَادَةُ: كَتَبَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا وَهُمُ النَّصَارَى. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَا فِي الْآيَةِ، وفيه حَدِيثٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ قَدْ مَرَّ قَبْلَ هَذَا غَيْرَ مُسْنَدٍ ثُمَّ كَتَبْنَاهُ مُسْنَدًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتُوَائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ دَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ عَلَى النَّصَارَى صَوْمُ شَهْرٍ فَمَرِضَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا: لَئِنِ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ شَفَاهُ لَنَزِيدَنَّ عَشْرًا، ثُمَّ كَانَ مَلِكٌ آخَرُ فَأَكَلَ لَحْمًا فَأَوْجَعَ فَاهُ فَقَالُوا: لَئِنِ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ شَفَاهُ لَنَزِيدَنَّ سَبْعًا، ثُمَّ كَانَ مَلِكٌ آخَرُ فَقَالَ: لَنُتِمَّنَّ هَذِهِ السَّبْعَةَ الْأَيَّامِ وَنَجْعَلُ صَوْمَنَا فِي الرَّبِيعِ. قَالَ: فَصَارَ خَمْسِينَ». قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: أَمَّا قَوْلُ عَطَاءٍ: إِنَّهَا نَاسِخَةٌ لِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ نُسِخَ مِنْهَا تَرْكُ الْأَكْلِ وَالْوَطْءِ بَعْدَ النَّوْمِ لَا يَمْتَنِعُ، وَقَدْ تَكُونُ الْآيَةُ يُنْسَخُ مِنْهَا الشَّيْءُ كَمَا قِيلَ فِي الْآيَةِ السَّابِعَةِ: .بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ السَّابِعَةِ: قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَقْوَالٌ أَصَحُّهَا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، سِيَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَالنَّظَرُ وَالتَّوْقِيفُ مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ يَزِيدَ، مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] كَانَ مَنْ شَاءَ مِنَّا صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَفْتَدِيَ فَعَلَ حَتَّى نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُصْبِحُ صَائِمًا أَوِ الْمَرْأَةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَأَطْعَمْ مِسْكِينًا فَنَسَخَتْهَا {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَهَذَا قَوْلٌ وَقَالَ السُّدِّيُّ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة: 184] كَانَ الرَّجُلُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ الْعِطَاشُ فَأُطْلِقَ لَهُ الْفِطْرُ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمُرْضِعُ يُفْطِرُونَ وَيُطْعِمُونَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: 184] فَأَطْعَمَ مِسْكِينَيْنِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: 184] صَامَ وَأَطْعَمَ مِسْكِينًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَقِيلَ: الْمَعْنَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ عَلَى جَهْدٍ. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهَا مَنْسُوخَةً جَعَلَهُ مَجَازًا وَقَالَ الْمَعْنَى: يُطِيقُونَهُ عَلَى جَهْدٍ أوْ قَالَ: كَانُوا يُطِيقُونَهُ فَأَضْمَرَ كَانَ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ هَذَا وَقَدِ اعْتَرَضَ قَوْمٌ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ {يُطَوَّقُونَهُ}، {وَيَطَّوَّقُونَهُ} وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ بِالشُّذُوذِ عَلَى مَا نَقَلَهُ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي قِرَاءَتِهِمْ وَفِي مَصَاحِفِهِمْ ظَاهِرًا مَكْشُوفًا وَمَا نُقِلَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَمَحْظُورٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعَارِضُوا مَا تَثْبُتْ بِهِ الْحُجَّةُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِالظُّنُونِ وَالْأَوْهَامِ وَالشُّذُوذِ، وَمَا لَا يُوقَفُ مِنْهُ عَلَى حَقِيقَةٍ غَيْرَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدِ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَنْسُوخَةً؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الْخَطِّ وَهَذَا لَا يَمْتَنِعُ، فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَزَّ {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَثَبَّتُوا مِنْهَا شَهَادَةَ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَا فَكَذَا {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] وَإِنْ كَانَتْ مَنْسُوخَةً فَفِيهَا غَيْرُ حُجَّةٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَشَايخَ وَالْعَجَائِزَ الَّذِينَ هُمْ لَا يُطِيقُونَ الصِّيَامَ أَوْ يُطِيقُونَهُ عَلَى مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ فَلَهُمُ الْإِفْطَارُ، وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ إِذَا أَفْطَرُوا غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَطْعَمُوا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ، وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَيْسُ بْنُ السَّائِبِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَلَيْهِمُ الْفِدْيَةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ اتِّبَاعًا مِنْهُ لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِ، وَحُجَّةٌ أُخْرَى فِيمَنْ قَالَ: عَلَيْهِمُ الْفِدْيَةَ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَرَضٍ وَلَا هُمْ مُسَافِرُونَ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِمُ الْفِدْيَةُ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] وَالْحُجَّةُ لِمَنْ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ مَنْ أَفْطَرَ مِمَّنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ لَا يَصِلُونَ إِلَى الْقَضَاءِ، وَأَمْوَالُ النَّاسِ مَحْظُورَةٌ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ وَمِمَّا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ أَيْضًا الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا فَأَفْطَرَتَا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٍ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ عَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا وَالْحُجَّةُ لِمَنْ قَالَ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْفِطْرِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ يَوْمٌ يَصُومُهُ كَالْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَهُ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ: عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ أَنَّهُمَا أَفْطَرَتَا مِنْ أَجْلِ غَيْرِهِمَا فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ لِتُكْمِلَا الْعِدَّةَ وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ: عَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ الْآيَةُ أَيْضًا وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ قَضَاءٌ فَاحْتَجَّ الْعُلَمَاءُ بِالْآيَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَنْسُوخَةً وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَالْآيَةُ الثَّامِنَةُ نَاسِخَةٌ بِإِجْمَاعٍ. |